موعظة اياك والغضب ( الخطبة الثانية )

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إلهٌ عظيم، يرضى عن عباده المؤمنين، ويغضب على الكفار والمنافقين، فيا سعادة من تعرض لمرضاته، ونال كراماته، والويل لمن ارتكب ما يغضبه ويسخطه، فإنه القائل: (وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى).
وأشهد أنّ محمداً رسول الله، ختم الله به النبوة والرسالة، وأعطاه الحوض والشفاعة، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى بهم. أما بعد:
فإذا كان قد سمعنا قبل قليل عن آثار الغضب السيئة وعواقبه الوخيمة، وإن لهذه الآفة علاجاً في هَدْيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك: الاستعاذة بالله من الشيطان عند الغضب كما صحت بذلك السنة.
عن سليمان بن صرد قال: "كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورجلان يستبان، فأحدهما احمرَّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد. فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعوّذ بالله من الشيطان، فقال: وهل بي جنون".
· ويكون العلاج كذلك بالوضوء.
في سنن أبي داود ومسند أحمد عن عطية القرظي رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفأُ النارُ بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ".
ومن ذلك ما جاء عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع". [رواه أبو داود وأحمد].
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "عَلّموا ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت". [رواه الإمام أحمد].

أيها المسلمون:
الناس في الغضب على ثلاثة أحوال:

الحالة الأولى:
تفريط يفقد المرء غضبه بالكلية، ويكون ضعيفاً لا حمية له، فلا يغضب لحرمات الله، ولا يغار على عرضه، ولا يكرم نفسه. وهذه خِسّةٌ وصِغَرُ نفسٍ.

الحالة الثانية:
الإفراط في الغضب، وذلك بطغيان الغضب على العقل والدين، فيخرج صاحبه إلى الباطل، ويغضب لأتفه الأسباب، وهذا لا شك أنه مذموم، وهو موضوع حديثنا.

الحالة الثالثة:
حالة التوسط والاعتدال، فيدافع المرء عن نفسه ودينه وعرضه وماله، ويغار على حرمات الله، فلولا هذا لظهر الخبث، وعم الفساد، وشاعت الفوضى.
يقول صلى الله عليه وسلّم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد". [رواه الإمام أحمد وابن حبان].
وعن عائشة قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئاً قط بيده، ولا امرأةً ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيلَ منه قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيءٌ من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى". [رواه مسلم].

وهذه الحالة الأخيرة هي أصلح الأحوال وأنفعها عند هجمة الغضب.
وهكذا كانت أخلاق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو أَمْلَكُ الناس لنفسه في مواطن الغضب، إلا أن تُنتهك حرمات الله تعالى، فعندها يغضب غيرة على الحرمات، وانتصاراً لله عز وجل.
فما أحوجنا للامتثال بالهَدْيِ النبوي القويم في حال الرضا والغضب، ففيه الاعتدال والتوسّط، وبه النجاة بإذن الله تعالى.
اللهمّ اغفر ذنوبنا، واصلح قلوبنا، وكفّر سيئاتنا، وضاعف حسناتنا.
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
وصلوا وسلّموا على من أمرنا الله تعالى بالصلاة عليه، فقال عزّ من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).


صلى الله عليه وسلم