ليلة الحناء .. يومٌ هام في حياة كل عروس

لقد أثار اهتمامي بالحناء إعجاب أقارب زوجي من النساء، حينما اكتشفوا أنني ماهرة بعض الشيء في رسمها على الأيدي أو القدمين، وأنا كغريبة عن البلاد اعتدت أن أقضي شهر رمضان وحتى أول أيام العيد مع أقارب زوجي بمنزل العائلة، وأثناء تلك الفترة فوجئت بقدوم العديد من النساء وبحوزتهن معجون الحناء كي أقوم برسمها على أيديهن وأرجلهن.


في البداية كان مجرد طلب لا أكثر، ولكنه تطور ليصل إلى طيلة المساء من أجل تزيين يد واحدة ثم الأخرى فالأخرى من السيدات، كانت هذه مهمة شاقة إلى حد ما، وهذا بسبب الجلوس على الأرض وعدم توافر المناضد أو الأسطح لإراحة اليدين أو المرفقين.
وكانت نتيجة ذلك العمل الذي لم أعتد عليه هو إجهاد العين وآلام العمود الفقري، ولكني أحتسبها مهمة رخيصة الثمن بالنسبة لأشخاص أحبوني وفتحوا لي قلوبهم وبيوتهم، وكثيرا ما كنت أرى الفرحة بعيونهم حين يباهون غيرهم من النساء برسومات الحناء، وأيضا قمة الدهشة حينما تعرف الأخريات أن من قامت برسم الحناء هي "أمريكية".
وفي يوم ما طلبت مني إحدى أقارب زوجي حضور "ليلة حناء معها"، وشعرت بفرحة وإثارة شديدة بالرغم من أنها لم تكن المرة الأولى لي لحضور حفل حناء العروس، ولكني أردت أن أنتهز فرصة رؤية شيء غامض قد سمعت عنه فقط ألا وهو"الحناية" (تلك المرأة التي تقوم برسم الحناء للعروس).
وبعد الانتهاء من رسم الحناء مشت مجموعة منا إلى بيت العروس، حيث كان الشارع مزينا بأضواء أعياد الميلاد ولافتة كبيرة مكتوب عليها بالخط العربي المزخرف إعلان الزفاف المقبل، وعند صعودنا إلى مدخل المنزل اصطدمت حواسي بأنوار العرس وروائح الطعام والحناء والبخور الممزوج بخليط من العطور التقليدية.
كانت الغرفة ممتلئة تقريبا بالنساء المرتديات للملابس الزاهية والفتيات الصغار والأطفال والأصوات العالية، ولكن استقبلت زيارتنا بالكثير من التساؤلات عن سبب حضور أجنبية لذلك الحفل، فمن المعروف في التقاليد العربية هو أن ليلة الحناء تقتصر فقط على المقربين من أهل العروس، أما زيارة الغرباء فتعتبر من العلامات الملحوظة بين الناس.
أحاطت بي بعد ذلك العديد من النساء اللاتي وجهن لي مختلف الأسئلة، "هل تتحدثين فعلا العربية؟، "هل أنتِ مسلمة؟"، "كيف تعيشين في بلادنا العربية؟"، "ألم يكن حاراً جداً هنا؟"، "كيف تشعرين تجاه زواجك من عربي؟"، "هل حقا ترفض المرأة الأمريكية إزالة كل شعر جسدها؟"، "كم طفل لديك؟"، لم يعطونني فرصة على إجابة سؤال واحد، وقبل أن أقوم بذلك أنقذتني قريبة زوجي وجذبتني من يدي تجاه العروس.
كانت فتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها، مرتدية ثوب أخضر مطرز بالخيوط الذهبية وجالسة على الأرض في صمت وسكون تام، لفت نظرها أنني أجنبية ونظرت إليّ كثيرا، ولكنها عادت إلى سكونها وملامحها الحيادية الغير دالة على فرحة أو حزن.
حدثتني نفسي عما إذا كانت تشعر تلك الفتاة الصغيرة برعب من الزواج المقبل وهو سبب سكونها وهدوئها، ولكني عرفت بعد ذلك بأنها إنما خلقت في ذلك العالم لأداء دور معين وهاهي على مشارف القيام به.
وبجانب العروس كانت تجلس الحناية، ولكنى لم أتمكن من رؤية سوى ظهرها ويديها لأنها كانت منحنية على يد العروس مؤدية عملها في هدوءٍ تام، وبعد انتهاء الحناية من عملها أخذت النساء في التغني بجمال العروس وحسنها، داعين الله أن يبارك في زواجها القادم، فقد كان المناخ هناك رائعا للغاية، وبالرغم من حضوري لعدد لا حصر له من الزيجات، إلا أنني أعتبر أن تلك المرة هي من أمتع الخبرات التي واجهتها وخاصة في بلد تحافظ فيه على البكارة وتقدر بثمن غال.
- الأساليب التي استخدمتها الحناية في رسم الحناء:طريقة الحناية في استخدام عجين الخبز (خطوة بخطوة)
 
مزج عجين الخبز مع الدقيق والماء.

 

باستخدام الأنبوب المخروطي يتم تزيين الجلد بالعجين، كما لو كنتِ تزينين تورتة الزفاف، ويترك العجين حتي يجف قليلا ويصبح ملتصقا بالجلد.

يتم مليء الرسومات بمعجون الحناء.
تكرر نفس الطريقة على القدمين.

 
تتم إزالة الحناء في اليوم التالي، ويُسمح للون أن يصبح أكثر إسمراراً.

- طرق رسم الحناء العربية:قديما كانت تقوم النساء برسم الحناء على أيديهن وأخمص قدمهن وأطراف أصابعهن وأظافرهن، ولم يعتبر هذا فنا لأن أي شخص يمكنه القيام به، وقد استخدمت طريقة الرسم بالعجين منذ مالا يقل عن 30 عاما، وأصبح من الضروري أن يكون هناك شخص آخر مساعدا ألا وهو الحناية.
فهي تستخدم أنبوبا صغيرا للرسم بالعجين على أيدي وأرجل النساء، في تصاميم بسيطة غالبا تميل لأن تكون أشكالاً هندسية كالدوائر والمربعات والمثلثات والخطوط المتقاطعة، والبعض من راسمي الحناء يفضلون استخدام طريقة البحرين في الرسم، وهي التي يستخدم بها إما عود كبريت أو أنبوب معجون أسنان لرسم التصاميم.
أما طريقة الرسم بالعجين فلم تعد تستخدم كثيرا، وهذا نظرا لأنها تستغرق وقتا طويلا جدا، ففي البداية كانت الحناية تتقاضى أي مبلغ تقوم الزبائن من النساء بإعطائها إياه، ولكن مع زيادة الزبائن أصبح المجال أكثر متسعا أكثر للتنافس مع الرسامين المهرة الذين يطلبون مبالغا أعلى.
وقد ارتبطت الحالة الاجتماعية لراسمي الحناء المهرة بمصففي الشعر، ولكنه يقدر اليوم بمثابة شكل مستقل من أشكال الفنون، فلم يكن غير شائع وجود العديد من السيدات اللاتي تمارسن رسم الحناء كهواية مفضلة، بل وترفض أن تتقاضي رسوما نظير عملها هذا.
وقد ترواحت النسبة التي تتقاضاها الحناية عند الرسم للعروس من 65 إلي 150 دولارا فبعض النساء تفضل أنواعا خاصة من الحناء أو تلك التي تأتي من بلاد أخرى، ولكن إذا أتى الأمر للحناء اليمني فهم يرون أنها مليئة بالشوائب ومن ثم ينبغي أن تنقى جيدا.
وبالطبع يمكن أن يباع معجون الحناء الجاهز للاستخدام، كما يمكن العثور عليه في الأسواق الخاصة بالعطارة والأعشاب، ودائما ما تخلط الحناء الناعمة المنخولة جيدا مع ماء الشاي والمهلبية وأيضا زيت لاذع الرائحة يسمى بـ Meso، مع تجنب تركها لأي فترة كانت من الوقت.
أما بالنسبة لطريقة استخدام عجين الخبز، فيفضل استخدام دقيق القمح بدلا من الدقيق الأبيض على أن يتم مزجه بالماء وزيت الطعام حتى يتم الحصول على النعومة المناسبة والتى يمكن أن تمر بسهولة عبر الأنبوب المخروطي.
والآن يتم رسم كل من الحناء والعجين باستخدام الأنابيب البلاستيكية، ويتم ترك العجين مالا يقل عن أربع ساعات أو حتى تجف، مع توخي الحذر عند وضع الحناء حتى لا تسقط على السجاد أو الأرضيات وتتسبب في تلطيخها، ونظرا لما للحناء من تأثير بارد على الجسم، فيمكن تغطية اليدين والقدمين عندما تجف الحناء قليلا إذا شعرت المرأة بالبرد.