الصيـــــــــــــام
الصيام عبادة عظيمة لله تعالى، تزكو بها النفس، ويصح بها البدن، قال (:
قال الله -عز وجل-: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به،
والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو
قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند
الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى
ربه فرح بصومه) [متفق عليه].
ودعاء الصائم مستجاب عند الله، فقد روى أن الرسول ( قال: (إن للصائم عند فطره دعوةً لا تردُّ) [ابن ماجة].
والصيام وقاية للإنسان من المرض، فقد روى أن الرسول ( قال: (صوموا تصحوا)
[الطبراني]، وهو كذلك وقاية للإنسان من عذاب النار فقد قال (: (من صام
يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا) [الجماعة]
ولاسيما إذا كان هذا الصوم أثناء الجهاد في سبيل الله.
كما أن الصيام شفيع للمؤمن يوم القيامة، قال (: (الصيام والقرآن يشفعان
للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه،
ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان) [أحمد
والطبراني والحاكم].
والصيام يُعَوِّد المسلم على التحلي بالصفات الحميدة، كالصبر والورع وضبط
النفس وحفظ الجوارح والفرج ومراقبة الله تعالى، قال تعالى: {يا أيها الذين
آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}
[البقرة: 183] كما أنه ينمي عاطفة الرحمة والإحسان بين المسلمين، كما يعودهم على النظام وحب العدل والمساواة.
معنى الصيام:
هو الامتناع عن الطعام والشراب وجميع المفطرات بنية عبادة الله تعالى، من
طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، ويراعى في البلاد التي يطول نهارها أن
تأخذ بوقت أقرب البلاد إليها.
أنواع الصيام:
1 - الصوم الواجب:
- صوم شهر رمضان، وهو الصوم الذي فرضه الله على عباده.
- صوم الكفارات، وهو ما يفعله الإنسان تكفيرًا عن ذنب اقترفه، وصوم
الكفارات حدده القرآن والسنة المطهرة، وليس للإنسان تقديره إلا أن يكون
تطوعًا.
- صوم النَّذْر: وهو الصوم الذي ينذره الإنسان على نفسه، سواء أكان مطلقًا أم مقيّدًا بحدوث نعمة، أو زوال نقمة.
2 - الصوم الحرام:
- صيام المرأة تطوعًا بغير إذن زوجها إلا إذا علمت برضاه، أو إذا لم يكن
محتاجًا إليها، كأن يكون غائبًا أو محرمًا بحج أو عمرة أو معتكفًا، وقال
بعض الفقهاء: إنه مكروه وليس بحرام.
- صوم عيد الفطر والأضحى وأيام التشريق بعده، ويجوز للحاج صيام أيام
التشريق إذا لم يجد الهدى، وقال البعض: إن صيام أيام التشريق مكروه، وليس
حرامًا.
- صوم الحائض والنفساء، فإن كانت قد صامت فرضًا أو صوم كفارة أو صوم نذر وجب عليها الإعادة.
- صيام من يخاف على نفسه الهلاك بصومه.
3 - الصوم المكروه:
- صوم الدهر كله.
- إفراد يوم الجمعة بالصوم.
- إفراد يوم السبت أيضًا.
- صوم يوم الشك (الثلاثين من شعبان).
- من يصوم تطوعا وعليه صيام واجب، كمن عليه قضاء أو كفارة مثلا، فالأولى أن يقدم الصوم الواجب على التطوع.
- صوم الوصال وهو مواصلة الصيام ليلا ونهارًا، فلا يفطر اليوم واليومين.
4 - صوم التطوع:
وهو الصوم الذي يتقرب به المسلم إلى الله -تعالى- طمعًا في ثوابه وجنته
ويستحب الصوم خصوصًا في أيام محددة رغب النبي ( في صيامها وهي:
- صيام يوم الاثنين ويوم الخميس من كل أسبوع.
- صيام الأيام البيض، وهي ثلاثة أيام من كل شهر هجرى وهي
أيام 13، 14، 15، فعن ابن ملحان القيس عن أبيه قال: كان رسول الله (
يأمرنا أن نصوم البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة وقال: (هي كهيئة
الدهر) _أبوداود والنسائي وابن ماجه] وقيل: سميت بالأيام البيض لابيضاضها
بسبب ضوء القمر.
- صيام ستة أيام من شوال: قال (: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان
كصيام الدهر) [مسلم] ويصح صومها متتابعة أو متفرقة وإن كان الأفضل صومها
متتابعة بعد يوم الفطر.
- صيام يوم التاسع والعاشر من شهر المحرم، سئل ( عن صوم يوم عاشوراء، فقال: (يكفِّر السنة الماضية) [مسلم].
- صيام يوم عرفة، سئل ( عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والباقية) [مسلم].
- صيام تسعة أيام من شهر ذي الحجة ومنها يوم عرفة لغير الحاج.
- الإكثار من الصيام في الأشهر الحرم، وهي (المحرم- رجب- ذوالقعدة- ذو الحجة).
- الإكثار من الصيام في شهر شعبان.
- صيام يوم وإفطار يوم لقوله (: (أفضل الصيام عند الله صوم داود عليه السلام كان يصوم يومًا ويفطر يومًا) [مسلم].
ويندب الصوم تطوعًا في أيام السنة كلها إلا الأيام التي ورد النهي عن صيامها إما تحريمًا أو كراهة.
ويجوز لمن صام تطوعًا أن يفطر، فمن أفطر في صوم التطوع ولم يقض لا شيء
عليه، وقد ورد أن أبا الدرداء كان صائمًا، فزاره سلمان الفارسى في هذا
اليوم فصنع أبو الدرداء له طعامًا، وقال له: كُل، فإنى صائم. فقال سلمان:
ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل. [البخاري] وقال بعض الفقهاء: من أفطر من
صوم تطوع؛ صام يومًا غيره.
صوم رمضان
صوم رمضان من عبادات الإسلام الكبرى، التي لا يكتمل إسلام المرء إلا بها،
قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185].
وقال (: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا (أي: يطلب رضا الله وثوابه)، غفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
وقال (: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان؛ صفدت (قيدت) الشياطين، ومردة
الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق
منها باب، وينادى منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله
عتقاء من النار، وذلك كل ليلة) [الترمذي والحاكم].
وقد خطب رسول الله ( في آخر ليلة من شعبان فقال عن شهر رمضان: (هو شهر
أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار) [البيهقي وابن حبان وابن
خزيمة].
وبما أن صيام رمضان من أركان الإسلام فإن من أفطره دون عذر مستحلاً مع
علمه بوجوب الصوم، فإن الله يحاسبه حسابًا شديدًا، ولا يقبل منه قضاءه وإن
صام حياته كلها.
كيف يعلم المسلمون بداية رمضان؟
يعلم المسلمون ذلك إذا شاهدوا هلال رمضان، فإن لم يروا الهلال أكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا.
قال (: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى
تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له) [متفق عليه] وقال: (الشهر تسع وعشرون
ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) [متفق
عليه].
من يجب عليه الصوم:
يجب الصوم على كل مسلم ومسلمة، بشرط البلوغ والعقل، والقدرة على الصوم، وأن تكون المرأة طاهرة من الحيض أو النفاس.
صيام الصبي:
ليس على الصبي صيام، ولكن على وليه أن يأمره بالصيام إذا استطاعه، لما في
ذلك من تدريب له على تحمل مشاق الصوم، فإذا بلغ ألفت نفسه الصيام واعتادت
عليه، والصبى يثاب على الصوم، وإن لم يكن فرضًا عليه.
أركان الصيام:
للصوم ركنان أساسيان هما:
1 - الامتناع عن الطعام والشراب وغيرهما مما يفطر الصائم، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
2 - النية، وهي شرط في الصوم كسائر العبادات، وهي أن يعزم المسلم على
الصوم طاعة لله وتقربًا إليه، وينوي المسلم الصيام قبل طلوع الفجر من كل
يوم من أيام الشهر، أو قبل طلوع فجر اليوم الأول من الشهر؛ بأن ينوي صيام
الشهر كله.
سنن الصوم وآدابه:
للصوم آداب وسنن يستحب فعلها، أهمها:
1 - السحور، فقد قال (: (تسحروا فإن في السحور بركة) _[متفق عليه] ويستحب
تأخير السحور حتى آخر الليل، إذا لم يوقعه التأخير في الشك في دخول الفجر
لقوله (: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) [البخاري] وعلى الإنسان ألا يترك
السحور وإن قل، ولو على جرعة ماء.
2 - تعجيل الفطر عند تيقن الغروب وقبل الصلاة، قال (: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) [متفق عليه].
ويستحب أن يفطر الإنسان على رطب فإن لم يجد الرطب فعلى تمر، فإن لم يجد
التمر فعلى لبن، فإن لم يجد اللبن فعلى ماء، فإن لم يجد الماء فعلى أى طعام
يجده فإن لم يجد ذلك نوى الإفطار.
قال (: (إذا كان أحدكم صائمًا فليفطر على التمر فإن لم يجد التمر فعلى
الماء فإن الماء طهور) _[أبوداود والترمذي وابن ماجه] وأن يكون العدد الذي
يتناوله من ذلك وترًا ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، وفي الحديث أن النبي ( كان
يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات فإن لم يكن حسا
حسوات من ماء (شرب قليلا من الماء)
[أبوداود وأحمد].
3 - الدعاء عند الفطر، فقد روي أن الرسول ( قال: (إن للصائم عند فطره دعوة لا تردُّ) [ابن ماجه].
والدعاء المأثور في ذلك: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)
[أبوداود] وقوله: (ذهب الظمأ، وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) [أبوداود].
4 - كف اللسان والجوارح عن فضول الكلام والأفعال، والكف عن الحرام كالغيبة
والنميمة، فيتأكد في رمضان، وإن كان فعله حرامًا في أي وقت.
5 - صلاة التراويح والقيام لقوله (: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر
له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه] ووقت صلاة التراويح من بعد صلاة العشاء
إلى وقت الفجر، ويستحب التهجد أيضًا.
6 - التوسعة على الأسرة، والإحسان إلى الأرحام، والإكثار من الصدقة، فقد
كان ( أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل._[متفق
عليه].
7 - الاشتغال بالعلم، وتلاوة القرآن ومدارسته، وسائر أعمال الخير والبر.
8 - الاعتكاف لاسيما في العشر الأواخر من رمضان، فقد كان النبي ( إذا دخل
العشر شد مئزره (كناية عن اعتزال النساء) وأحيا ليله وأيقظ أهله._[متفق
عليه] وغير ذلك من أعمال الخير والبر.
مكروهات الصيام:
1 - صوم الوصال، وهو ألا يفطر بين اليومين بأكل أو شرب.
2 - القُبلة، ومقدمات الجماع، ولو فكرًا أو نظرًا، إلا إذا أمن على نفسه، وإذا أنزل أو جامع أهله، بطل صومه.
3 - الترفه بالمباحات كالتطيب وشم الطيب.
4 - تذوق الطعام ومضغه إلا لعذر؛ خوفًا من وصول شيء إلى الجوف عند التذوق، ويجوز عند الضرورة.
مباحات الصوم:
وهي الأشياء التي إذا فعلها الصائم أو تركها فليس عليه شيء، ومنها:
1 - الاغتسال أو الاستحمام، فقد صب النبي ( على رأسه الماء في يوم كان شديد الحر، لشدة عطشه. _[أبو داود وأحمد].
2 - الاكتحال (وضع الكحل في العين للتزين أو للتداوى به) وكذلك وضع القطرة.
3 - الحقنة سواء كانت في العضل أو الوريد، بشرط أن تكون دوائية لا غذائية.
4 - بلع الريق، وغبار الطريق، وما شابه ذلك؛ لأن الإنسان لا يبلعها
بإرادته، فلا يستطيع أن يمنع نفسه عن ابتلاعها، لكن يكره له أن يجمع ريقه
في فمه ثم يبتلعه.
5 - السواك.
الأعذار المبيحة للفطر:
تكاليف الإسلام يسر وسهولة، قال تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185].
وهناك حالات أباح الشرع للإنسان أن يفطر فيها، تيسيرًا على الناس، وتخفيفًا عنهم، وهي:
1 - السفر: قال تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر}
[البقرة: 184] ولم يُروَ تحديد المسافة في الكتاب والسنة، ولكن قدرها بعض
الفقهاء بحوالى 98 كم.
2 - المرض: ويقصد به المرض الذي يصعب معه الصوم صعوبة شديدة، أو يخاف
الهلاك منه إن صام، أو يخاف بالصوم زيادة المرض أو تأخر الشفاء، وأن يخبر
بذلك طبيب مسلم ثقة.
3، 4 - الحمل والرضاع: يباح للحامل والمرضع الإفطار إذا خافتا على أنفسهما
أو على الولد، قال (: (إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة،
وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام) [أصحاب السنن].
5 - الهرم (كبر السن) ، قال تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة: 184].
6- الإكراه؛ فمن استكره على الإفطار يباح له الفطر.
وقد جمع أحد الشعراء الأعذار المبيحة للفطر بقوله:
وعوارض الصوم التي قد يــغتفر للمـرء فيها الفطر تسع تستطر
حمـل وإرضــاع وإكراه ســفر مرض جهاد جوعة عطش كـبر
مبطلات الصيام:
وهي الأمور التي تفسد الصيام، وهي:
1 - الأكل والشرب عمدًا أو لعذر شرعي كمرض أو سفر أو إكراه.
2 - الجماع.
3 - القيء عمدًا.
4 - الحيض أو النفاس، فإذا نزل الدم على المرأة ولو قبل غروب الشمس بدقيقة
واحدة بطل صومها، وعليها أن تفطر، وأما المستحاضة فلا يبطل صومها.
5 - دخول أي شيء من الفم إلى الجوف، مما لايتغذى به عادة كالحصى.
6 - من نوى أن يفطر وهو صائم بطل صومه، وإن لم يفطر؛ لأن النية شرط لصحة الصوم.
7 - إخراج المني بشهوة ولذة معتادة من غير عذر ولا مرض.
قضاء الصوم:
يجب القضاء على من أفطر يومًا أو أكثر من رمضان بعذر من الأعذار المبيحة
للفطر، كالحيض والنفاس، والمرض والسفر، قال تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو
على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184].
وعلى الحامل أو المرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على الولد، أو بغير عذر كمن أكل أو جامع عامدًا، إضافة إلى ما عليه من الكفارة.
وقت قضاء رمضان: يكون من بعد انتهاء رمضان إلى مجىء رمضان
المقبل، ويستحب الإسراع بالقضاء، ويجب القضاء إذا بقى على رمضان المقبل
أيام بعدد الأيام التي يريد الإنسان أن يقضى صيامها، ويكون الصيام في أيام
يباح الصوم فيها تطوعًا، فإن صام في أيام لا يصح الصوم فيها كالعيدين مثلا
فلا ينفعه ذلك.
تتابع القضاء: لا يشترط التتابع والفور في قضاء رمضان، وإن كان الأولى موالاة القضاء أو تتابعه؛ للإسراع في القضاء.
كفارة الصيام:
عقوبة تلحق بمن أفسد صيامه في رمضان، إضافة إلى ما يجب عليه من قضاء الأيام التي أفطرها، وهي واحدة من الأمور الثلاثة التالية:
- عتق رقبة مؤمنة.
- أو صيام شهرين متتابعين لا يقطعهما شيء، فإن قطعهما قاطع كأيام الأضحى
أو رمضان أو غيرهما لا يصح، فإذا اعترضه صوم نذر، فليتم كفارته، ولا يلزم
النذر.
- أو إطعام ستين مسكينًا، فيعطى كل مسكين مدًّا من القمح أو نصف صاع من
تمر أو شعير، أو يطعمهم وجبتين مشبعتين من أى طعام شاء، وإن اختلف الطعام،
كأن يجمع لهم بين الخبز واللحم مثلا، أو غير ذلك.
وتجب الكفارة في أمرين:
1 - الجماع.
2 - الإفطار المتعمد عند المالكية فقط.
والكفارة على الترتيب، فمن قدر على العتق فلا يكفيه الصوم، ومن قدر على
الصوم فلا يكفيه الإطعام، ومن عجز عن الثلاثة فلا شيء عليه، وليكثر من
الاستغفار، فإذا منَّ الله عليه فليطعم ستين مسكينًا، ويسقط من الكفارة عتق
الرقبة لعدم وجود العبيد الآن، وإن كان حكمها باقيًا في شرع الله إلى يوم
القيامة.
تعدد الكفارة: تتعدد الكفارة بتعدد موجبها، فمثلا إذا جامع رجل زوجته
عمدًا في نهار رمضان، وكفر عن فعله بإحدى الكفارات الثلاث؛ وهي عتق رقبة أو
صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينًا، ثم جامع زوجته في يوم آخر
فعليه كفارة أخرى، أما إذا جامع زوجته مرتين في يوم واحد لزمته كفارة
واحدة.
الفدية:
وهي إطعام مسكين مدًّا من الطعام عن كل يوم أفطر فيه، وتجب بالأمور التالية:
1 - العجز عن الصيام لمن لا يقدر على الصوم كالشيخ الكبير والعجوز.
2 - المريض الذي لا يرجى شفاؤه.
3 - الحامل والمرضع إذا خافتا على ولدهما.
وتجب الفدية مع القضاء على من فرط في قضاء رمضان، فأخره حتى جاء رمضان آخر مثله بقدر ما فاته من الأيام.
من مات وعليه صوم:
ينبغي على المسلم أن يسرع في قضاء ما عليه من صيام شهر رمضان، فقد يأتيه
الموت فيحاسبه الله تعالى على تقصيره، فإن مات المسلم وعليه صوم فرض من
قضاء رمضان، أو نذر، أو كفارة واجبة، وكان يمكنه قضاؤه ولكنه لم يفعل فيرى
بعض الفقهاء أنه يجب على أوليائه (أقرب الناس إليه) أن يصوموه عنه هم أو
بعضهم، فإن لم يكن له أولياء، يؤجر له من رأس ماله من يصوم عنه، فهذا مقدم
على ديون الناس، فحق الله أحق بالقضاء، فإن رفض أولياء الميت الصيام عنه
فهم عصاة، ولا شيء على الميت من ذلك الصوم، لأن الصوم قد انتقل بموته إلى
وليه.
قال رسول الله (: (من مات وعليه صيام، صام عنه وليه) [البخاري ومسلم
وأبوداود وابن ماجه] ويرى بعض الفقهاء أنه لا يصح لولي الميت أن يصوم عنه،
أما إذا أفطر المسلم في الشهر لعذر كالمرض أو السفر فمات وهو مريض أو مسافر
فلا قضاء ولا إثم عليه لعدم تقصيره؛ لأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت.
صوم الكفارات
وهو الصوم الذي يصومه الإنسان؛ تكفيرًا لما حدث منه، كصوم شهرين متتابعين
لمن لم يقدر على عتق رقبة كفارة للقتل الخطأ، لقوله تعالى: {فمن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين توبة من الله} _[النساء: 92] وكذلك لمن قال لزوجته:
(أنت علىَّ كظهر أمي) وهو الظهار الذي كان يعد في الجاهلية قبل الإسلام
طلاقًا.
فلما جاء الإسلام حرمه، ولم يعتده طلاقًا، بل جعل له كفارة؛ وهي عتق رقبة
أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا، قال تعالى: {والذين
يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم
توعظون به والله بما تعملون خبير . فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل
أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا} _[المجادلة: 3 - 4].
ومن صيام الكفارات صوم كفارة اليمين، وهو صيام ثلاثة أيام كفارة لمن لم
يبر يمينه، وذلك في حالة عدم المقدرة على أداء واحدة من ثلاثة أشياء؛ وهي
إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، قال تعالى: {لا يؤاخذكم الله
باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته إطعام عشرة
مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله
لكم آياته لعلكم تشكرون} [المائدة: 89].
ليلة القدر
قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر . وما أدراك ما ليلة القدر . ليلة
القدر خير من ألف شهر . تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر .
سلام هي حتى مطلع الفجر} [سورة القدر].
وهي ليلة مباركة يستحب قيامها والعمل فيها، قال (: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) _[البخاري].
وهي ليلة من الليالى الفردية من العشر الأواخر من شهر رمضان، فقد تكون
إحدى هذه الليالى: (21 أو 23 أو 25 أو 27 أو 29) ورجح كثير من العلماء أنها
ليلة السابع والعشرين، فعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال في ليلة القدر:
والله إنى لأعلمها. قال شعبة: وأكبر علمي هي الليلة التي أمرنا رسول الله (
بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين. _[مسلم] والحكمة في إخفائها أن يجتهد الناس
في طلبها، ويجدوا في العبادة طمعًا في إدراكها.
الدعاء فيها: سألت السيدة عائشة -رضي الله عنها- النبي (: ماذا أقول في
ليلة القدر؟ فقال: (قولى: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني)
_[الترمذي وابن ماجه].
علاماتها:
- أن تكون السماء صافية، والجو معتدلا، فلا يكون حارًا، ولا باردًا في تلك الليلة.
- أن تشرق الشمس في صباح يومها بيضاء لا شعاع لها.
الاعتكاف
يحتاج الإنسان أن يجدد علاقته مع الله كل فترة؛ لِيَطْهُرَ قلبه وتصفو
نفسه، وذلك بمراقبة الله تعالى، والانقطاع إلى العبادة، متجردًا له سبحانه
من شواغل الدنيا وأعمالها، ملازمًا العبادة في بيت الله سبحانه، ومتقربًا
إليه طلبًا رحمته، متحصنًا بحصنه -عز وجل- وتتحقق كل هذه الأشياء
بالاعتكاف.
معنى الاعتكاف: هو أن ينوي المسلم الإقامة في المسجد ولزومه بنية العبادة تقربًا إلى الله تعالى.
أنواع الاعتكاف: وللاعتكاف أنواع، هي:
1 - الاعتكاف الواجب، وهو اعتكاف النذر، فيلزم الوفاء به، فعن عمر -رضي
الله عنه- أنه قال: يا رسول الله، إنى نذرت أن أعتكف في المسجد الحرام.
"فقال: أوف بنذرك" [متفق عليه] وإذا مات الرجل وقد نذر الاعتكاف فلا يقضى
عنه.
2 - الاعتكاف المستحب، لاسيما في العشر الأواخر من رمضان.
شروط الاعتكاف:
1 - الإسلام: فلا يصح الاعتكاف من الكافر.
2 - العقل أو التمييز: فلا يصح من مجنون ونحوه، ولا من صبي غير مميز، ويصح اعتكاف الصبى المميز.
3 - المسجد: فلا يصح في البيوت، ويجوز للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها.
4 - النية.
5 - الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس.
6 - إذن الزوج لزوجته.
ويستحب للمعتكف أن يكثر من الطاعات، وذكر الله، والصلاة على النبي (، وقراءة القرآن، وصلاة النوافل، والصوم.
ما يكره للمعتكف فعله:
1 - أن يشغل نفسه بما لا يعنيه من الأقوال والأفعال.
2 - الصمت عن الكلام إلا إذا كان تفكرًا.
ما يباح للمعتكف فعله:
1 - أن يخرج من المسجد لقضاء حاجته التي لا غنى له عنها.
2 - حلق الشعر، وتقليم الأظافر والاغتسال، وارتداء أحسن الثياب، واستخدام الروائح الطيبة.
3 - الأكل والشرب والنوم في المسجد.
وقت الدخول إلى المعتكف والخروج منه:
يتنوع وقت الدخول إلى المعتكف والخروج منه حسب نوع الاعتكاف كالآتي:
1 - إذا أراد المسلم أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فإنه يدخل مسجده
قبل غروب شمس اليوم التاسع عشر من رمضان، ويخرج بعد غروب شمس آخر يوم من
شهر رمضان.
2 - إذا كان قد نذر الاعتكاف في وقت معين، فقد وجب عليه أن يعتكف في هذه
الأيام بذاتها، ويدخل معتكفه في أي وقت من بعد أذان المغرب إلى أذان الفجر
الأول يوم نذره ويخرج إذا غربت شمس آخر يوم نذره.
3 - إذا كان الاعتكاف تطوعًا مطلقا، فللمسلم أن يدخل معتكفه في الوقت الذي يتيسر له، ويخرج متى شاء.
ولقد فرق الأئمة بين اعتكاف الأيام والليالي؛ فمن أراد اعتكاف يوم أو أيام
بعينها، فإنه يدخل قبل أن يتبين له طلوع فجر اليوم، ويخرج إذا غاب قرص
الشمس، ومن أراد اعتكاف ليلة أو ليالى بعينها، فإنه يدخل قبل أن يتم غروب
الشمس، ويخرج إذا تبين له طلوع الفجر، ومن نذر اعتكاف شهر، فيبدأ الشهر من
أول ليلة منه، فيدخل قبل الغروب، ويخرج إذا غابت الشمس كلها من آخر الشهر.
مبطلات الاعتكاف:
1- الخروج من المسجد بلا عذر شرعي.
2 - الجماع، قال تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها} _[البقرة: 187].
3 - السكر.
4 - الإغماء والجنون الطويلان.
5 - الحيض والنفاس.